اقتصاد الشرق الأوسط يتحول الى مسار جديد … ثروة أخرى تنافس ثروة النفط!

اقتصاد الشرق الأوسط يتحول الى مسار جديد … ثروة أخرى تنافس ثروة النفط!

حين ينهض اقتصاد منطقةٍ على بريق النفط ويبدأ يغيّر مساره نحو نور المعرفة والتنوّع، فإننا لا نشهد مجرد تبدّلٍ في جذور الإنتاج، بل نشهد ولادة دفقة جديدة في هوية اقتصادية تُعيد خلط أوراق القوى، وتحرّك أذرع الريح نحو آفاق أكثر اتساعاً.

 في International Monetary Fund وثيقة “Regional Economic Outlook”  صدر في أكتوبر 2025 تأكيد على أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحافظ على «مرونة ملحوظة» رغم الضباب العالمي، لكنها تواجه أيضاً ضرورة تنفيذ إصلاحات هيكلية، وإعادة توجيه الاقتصاد نحو تنمية مستدامة.

في هذا التحليل، سنغوص في اتجاه التحول هذا: ما دلالاته؟ ما التحديات التي تقف أمامه؟ وما الفرص التي لم تُستغل بعد؟ وسنقف عند ما يعنيه ذلك للدول العربية – ومنها اليمن – كي تشقّ طريقها بخطٍّ ثابت نحو اقتصاد المعرفة.

أولاً: دلالات التحوّل — ماذا يعني أن يبدأ الاقتصاد من النفط إلى معرفة؟

- تنويع الإيرادات: الاقتصادات التي تُركّز كثيراً على صادرات النفط تواجه مخاطر ارتفاع العائدات وانخفاضها بحسب تقلبات السوق. التحول نحو المعرفة يُتيح خلق قطاعات أقلّ تأثّراً بتذبذب النفط، ويُعزّز الاقتصاد عبر التعليم، التكنولوجيا، الطاقة المتجدّدة. على سبيل المثال، تقرير لموقع World Economic Forum يقول إنّ قدرة الطاقة الشمسية الكهروضوئية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ستزيد عشرة أضعاف بحلول 2035، وأن الحصة المتوقّعة للطاقة المتجدّدة في إنتاج الكهرباء تصل إلى 25٪.

- تحسين الكفاءة والابتكار: معرفة أكثر = كفاءة أعلى = مردود أفضل. الاقتصاد المعرفي يعني وظائف أُخرى، صناعات أكثر تطوّراً، خدمات مرتبطة بالبحث والتطوير، وأقل اعتماداً على العنصر الخامّ.

- تبعيّات أقلّ واستقلال أكبر: الدول التي تُطوّر مقدراتها الذاتية في التعليم، الطاقة، التقنية تقلّ تبعّيتها للتقلبات الخارجية وتضمن لنفسها مرونة أكبر وقت الأزمات.

- المستقبل الشابّ: التحوّل للمعرفة يجذب جيل الشباب، ويحوّل “البطالة” المحتملة إلى “إنتاج”. في منطقة تشكّل فيها الفئة العمرية الشابة نسبة كبيرة، فإن التحوّل ليس خياراً بل ضرورة.

ثانياً: ما هي المعوقات التي تقف في طريق هذا المسار؟

الإصلاحات البطيئة: التقرير الصادر لـIMF يشير إلى أن النموّ في المنطقة يُتوقّع أن يرتفع، لكن بوتيرة أبطأ مما سبق توقّع. وكثيرٌ من الدول لا تزال تواجه ضغوطاً من الصراعات، وبُرَكاً في القطاعات المالية، أو تأخيرات في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية.

الإيرادات النفطية المهدّدة: رغم التحوّل، النفط ما يزال يشكّل العمود الفقريّ لبعض الاقتصادات. أي تراجع مفاجئ في أسعار النفط أو إنتاجه قد يضرب قدرتها على تمويل برامج التحوّل.

نقص الكفاءات والمعرفة: التحوّل لا يحدث بمجرد قرار؛ بل يتطلّب بنى تعليمية، سياسات بحث وتطوير، تشجيع ريادة الأعمال، وبُنى تحتية رقمية. وليس كلّ بلد عربي جاهز لذلك بنفس المعدّل.

المناخ الاستثماري والتوجّهات العالمية: مع تزايد السياسات الحمائية، والتوترات الجيوسياسية، قد يُصبح جذب الاستثمارات الأجنبية أكثر تعقيداً، ما يؤخر تنفيذ المشاريع الكبرى المرتبطة بالمعرفة.

الاختلالات الإقليمية والداخلية: الفوارق التنموية داخل الدولة الواحدة بين العاصمة والمناطق الريفية، بين قطاعات النفط والصناعات الناشئة يمكن أن تخلق “مساحات تأخّر” تُقلّل من فعالية التحول.

ثالثاً: الفرص الكامنة - لماذا الآن هو الوقت المناسب للتحوّل؟

دعم من الإيرادات النفطية الحالية: الدول التي لا تزال تمتلك فائضاً نفطياً يمكنها “شراء وقت” للتحوّل، أي استخدام عوائد النفط لتمويل التعليم والتكنولوجيا والبُنى التحتية حتى يتحوّل الاقتصاد.

التكنولوجيات الجديدة متاحة الآن بأسعار أقلّ: الطاقة الشمسية، التخزين، الإنترنت، الذكاء الاصطناعي كلّها متاحة الآن بتكاليف أقل مما كان في العقد الماضي، ما يمنح الفرصة للدخول بقوة.

الشراكات الدولية: انفتاح شرق-غرب يجعل الدول العربية قادرة على عقد شراكات في التعليم، التكنولوجيا، الطاقة المتجدّدة، مما يسرّع مسارات التحوّل. مثلاً، التقرير يقول إنّ الشرق الأوسط يتجه جغرافياً نحو آسيا كشريك تجاري واستثماري رئيس بحلول 2026.

الطلب المحلي المتنمّي: الشباب، الإنشاءات، المدن الذكية، الخدمات كلها تخلق طلباً داخليّاً على المعرفة والتكنولوجيا، ما يعزّز اقتصاد المعرفة محلياً وليس فقط خارجيّاً.

تنويع الاقتصاد يخفّف من الصدمات الخارجية: في حال هبوط أسعار النفط أو ارتفاع التحديات العالمية، يكون لديك قِطاع بديل يُخفّف الصدمة، ويُسهم في استدامة النموّ.

رابعاً: ماذا يعني هذا للدول العربية - والفرصة أمام اليمن؟

الدول الخليجية على سبيل المثال محتوية على مصادر طاقة ضخمة، لكنها تعرف أن المستقبل ليس نفطاً فقط. عليها أن تستثمر بحكمة - في التعليم، في البحث، في التكنولوجيا - كي تكون جزءاً من الاقتصاد المعرفي.

أما الدول ذات الموارد الأضعف منها دول المِنطقة مثل اليمن فإنها تمتلك فرصة نادرة: ليس بالضرورة أن تبدأ من “نفط الطاقة” فقط، بل أن تبني من القاعدة أسفل نحو “ذكاء المعرفة”. فالوقت ليس متأخّراً. بإمكان اليمن أن تطوّر قطاعات مثل الخدمات الرقمية، التعليم عن بُعد، الطاقة الشمسية الزائدة – لأن مساحة الابتكار مفتوحة، ولا تنافس في الصناعة الثقيلة فقط.

لكن الضرورة واضحة: تخطيط محكم، تحالفات دولية، استثمار في رأس المال البشري، وبيئة تشجّع ريادة الأعمال. المطلوب أيضاً لا مجرد “أفكار” بل “تنفيذ”.

كما أن تحوّل المعرفة ليس منفذاً لاقتصاد النخبة فحسب، بل يجب أن يشمل طيف المجتمع بأكمله، وإلا فإن الفجوة الاجتماعية ستتوسّع وتُضعف الاستقرار الاقتصادي والسياسي.

خامساً: توصيات استراتيجية للتطبيق

إنشاء “مراكز محوريّة” لتعليم التكنولوجيا وريادة الأعمال في كلّ دولة، وربطها بالعالم الخارجي من الجامعات والمعاهد البحثية.

تخصيص جزء من عوائد النفط أو المساعدات أو الدّين التنموي لصندوق “استثمار المعرفة” يُموّل الابتكار الإلكتروني، نشر خدمات الإنترنت، الطاقة الشمسية المجتمعية.

تفعيل بيئة تنظيمية تشجّع الاستثمار في القطاعات غير التقليدية: إعفاءات ضريبية، سهولة تأسيس الشركات، حماية الملكية الفكرية، دعم المشاريع الصغيرة والمتوسّطة.

مؤشرات