التوترات التجارية بين الصين وامريكا المتصاعدة تهدد قطاع الشحن البحري العربي

التوترات التجارية بين الصين وامريكا المتصاعدة تهدد قطاع الشحن البحري العربي

دخلت العلاقات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم مرحلة جديدة من التصعيد الاقتصادي والخطوات المتبادلة من رسوم وعقوبات تؤثر مباشرة على سلاسل الإمداد البحرية.

هذا التصعيد لا يبقى محصوراً بين بكين وواشنطن، بل يمتد ليتقاطع مع نقاط ضعف راهنة في الطريق البحري بين آسيا وأوروبا، وما يعرّض دول المنطقة العربية لمخاطر تشغيلية واقتصادية وجيوسياسية ملموسة.

حيث أثر التصعيد الأميركي الصيني على الشحن العربي من خلال:

1. ارتفاع تكاليف التأمين وفرض قيود تشغيلية

شركات التأمين البحري ترفع أقساطها على الخطوط التي تمر عبر ممرات عالية المخاطر، وتفرض قيوداً على نوع البضائع المقبولة والموانئ المسموح لها بالاستقبال. النتيجة المباشرة زيادة تكاليف الشحن الاستثنائية على واردات وصادرات دول عربية تعتمد على التجارة العابرة عبر قناة السويس والبحر الأحمر.

2. اختلال في مواعيد التسليم وتكدّس في الموانئ الإقليمية

تحويل ناقلات كبيرة إلى طريق رأس الرجاء الصالح يطيل زمن الرحلة بأيام إلى أسابيع، ما يساهم في تراكم حمولات على موانئ رئيسية إقليمية (مثل المصافي وموانئ إعادة التوزيع)، ويخلق ضغطاً على البنى اللوجستية المحلية ويزيد الحاجة إلى مساحات تخزين إضافية وتكاليف تشغيل.

3. ضغط على مداخل الاقتصاد الوطني (سلع استراتيجية وأسعار)

ارتفاع كلفة النقل والتأمين سينعكس سريعاً على أسعار الوقود والمواد الأولية والسلع الاستهلاكية المستوردة، ما يخلق مخاطر تضخمية في دول عربية ذات موازين مدفوعات ضعيفة أو مخزون استراتيجي محدود. إضافة لذلك، أي تعطّل متكرر لخدمات الترانزيت يؤثر على عائدات رسوم العبور لقناة السويس وموانئ المنطقة.

4. استغلال السياسة البحرية كأسلوب ضغط تجاري

إجراءات مثل الرسوم الملاحية المستهدفة وسلوكيات من هذا النوع تجعل من خطوط الشحن أداة سياسة خارجية؛ أي سفينة أو شركة قد تُستهدف أو تُستثنى اعتماداً على منشأها أو علاقات مالكها. هذا يعيد تشكيل تحالفات تشغيلية بين شركات شحن ومقدمي خدمات لوجستية، ويجعل الشبكات التجارية أقل قابلية للتنبؤ.

تقييم المخاطر للقطاع البحري العربي حسب تحليلات الخبراء الاقتصاديين

خطر قصير الأجل (3–6 أشهر): عالي مع تزايد رسوم الموانئ والتقلب المفاجئ في سياسات دخول السفن، بالإضافة إلى استمرار تهديدات العنف البحري.

خطر متوسط المدى (6–18 شهراً): مرتفع مع تحوّل جزئي في سلاسل التوريد بعيداً عن المرور التقليدي عبر البحر الأحمر إلى مسارات أطول، مع اختلال في توازن العرض والطلب على الحاويات.

خطر طويل الأجل (أكثر من 18 شهراً): متوسط حيث يعتمد كل شيء على مسارات السياسة الدولية وإمكانية استئناف الحوار التجاري بين واشنطن وبكين أو حل أزمات إقليمية تؤثر على باب المندب.

توصيات عملية عاجلة للحكومات والمؤسسات اللوجستية في الدول العربية

تعزيز المخزون الاستراتيجي والبدائل: زيادة المخزونات من السلع الأساسية والوقود وتفعيل آليات شراء جماعية إقليمية للتقليل من تعرض الأسعار لتقلبات فورية.

مفاوضات تأمين جماعية: تشكيل اتّحادات بين موانئ ومشغّلي سفن محليين للتفاوض على بدائل تأمين جماعي أو آليات مشاركة المخاطر مع شركات تأمين دولية.

تنويع مسارات الشحن وسلاسل التوريد: تسريع الربط مع طرق برية ورفد قدرات السكك والطرقات للحدّ من الاعتماد الأحادي على الممرات البحرية الحرجة.

دبلوماسية بحرية إقليمية: التنسيق بين دول المنطقة للتعامل الأمني واللوجستي مع تهديدات مثل الاعتداءات في البحر الأحمر، وفتح قنوات تفاهم مع قوى دولية لتأمين الممرات الحيوية.

مراقبة السياسات الدولية: إنشاء وحدات لمتابعة تأثيرات الرسوم والإجراءات الأميركية والصينية على حركة البضائع وإبلاغ القطاع الخاص فورياً بخطط الطوارئ.

المشهد القادم

التصعيد الأميركي الصيني يحوّل البحار من مسارات اقتصادية محايدة إلى رقعة نفوذ يتبدّل فيها قانون اللعبة بسرعة. بالنسبة للدول العربية الواقعة على مفترق طرق التجارة العالمية، الخيار ليس الانتظار بل التحصّن: تنويع الموردين والمسارات، إعادة تقييم سياسات التأمين، وتعزيز التنسيق الإقليمي الفوري. عدم التحرك السريع سيترجم إلى خسائر تشغيلية واقتصادية قد تستمر لأشهر أو سنوات.

 

المصادر:

-          تقرير رويترز عن الرسوم الملاحية المتبادلة بين الولايات المتحدة والصين (14 أكتوبر 2025).

Reuters

 

-          تغطية وكالة AP وتقارير الـ Financial Times عن عقوبات الصين على وحدات مرتبطة بصناعة السفن.

AP News

 

-          تقارير وتحليلات حول أزمة البحر الأحمر (World Bank، S&P Global، تقارير مراكز بحثية متخصصة).

World Bank

 

-          بيانات وتحليلات سوق الشحن (Maersk، Reuters، تقارير سوق الشحن 2025).

مؤشرات